هدي محمد صلى الله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد أشرفِ المرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين . اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وانت تجعل الحزن اذا شئت سهلا
وصايا مهمة
الوصية ُ الاولى : عليكْم بتركِ الغضبِ , فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :<< ليسَ الشُّديدُ بالصُّرعةِ ولكنَّ الشديدَ الذي يَمْلكُ نفسَهُ عندَ الغضب >> رواهُ البخاريُّ ومالك . وقال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام :<< ليسَ الشَّديدُ من غلبَ الناس لكنَّ الشديدَ الذي يملكُ نفسَهُ عند الغضب >> رواهُ ابنُ حِبَِّانَ . والشيطانُ يقوى على الانسانِ اكثرَ إذا كانَ غضبان , وقد وردَ أنَّ صحابيا ً قالَ للرَّسولِ صلى الله عليه وسلم : ما يُنجيني ِ مِنْ غَضَبِ اللهِ ؟ قالَ : << لا تغضبْ >> . ووردَ أنَّ صحابيا ًقال للرسول ِ صلى الله عليه وسلم : أوصني , فقال : << لا تغضب >> فكرَّرَ مرارا ً والرسولُ يقولُ له : << لا تغضب >>. وكثيرٌ مِنَ الناس ِ عندَ الغضب ِ يكفرونَ او يقعون َ في معصيةٍ كبيرةٍ , وقد وردَ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكنْ يغضبُ إلا اذا انتُهكَتْ مَحارِمُ الله . فالغضبُ للهِ أمرٌ حسن , ومعناهُ أنْ يغضبَ الشخصُ إذا حَصَلَتْ معصية ٌ, أما الغضبُ للنفس ِ أي لِحَظِ ّ
النفس ِفهوَ غيرُ مَحمود ٍ شرعا ً قالَ الله تعالى :
*( وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ )* .
الوصية ُ الثانية: عليكمْ بتقليل ِ الكلام ِ فقد قالَ رسولُ الله ِ صلى الله عليه وسلم : << من صمتَ نَجا >> رواه الترمذي . وتركُ الكلام ِ فيما لا خَيْرَ فيهِ نَجَاة ٌ , والشيطانُ يقوى على الانسان أكثرَ اذا كانَ يُكثرُ الكلام ِ فيما لاخيرَ فيه . روى ابنُ حِبَّانَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : << عليكَ بطول ِ الصَّمْت ِ إلا مِنْ خير ٍ فإنَّهُ مطردة ٌ للشيطان عنكَ وعون ٌ لكَ على أمر ِ دينَكَ >> معناهُ أنَّ الشيطانَ ينزعج ُ منَ المسلم ِ الذي يُقلِِّلُ كلامَهُ لأنَّهُ لا يتمكنُ من إيقاعِهِ في الغَلط ِ كما يتمكنُ من المُكثر ِ كلامَهُ , فقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : << مِنْ حُسْن ِ إسلام ِ الْمَرء ِ تركهُ ما لا يعنيه >> رواهُ الترمذيّ , معناهُ مِمّا يُعينُ المؤمنَ على تقوى اللهِ أن يتركَ الخوضَ فيما لا خيرَ لهَ فيهِ مِنَ القول ِ والفعل ِ , ولا عِبْرَةَ بالجُهَّال ِ الذينَ إذا رأوا انسانا ً يُطيلُ الصَّمتَ يقولون له ُ: لِمَ لا تتكلم ؟! وينسُبونَ إليهِ ضَعْفَ الفَهْم ِ والواقع ُ أنّهم هم ضعافُ الفَهْم ِ. قال العلماء : (( على العاقل ِ أنْ يفكرَ في الكلام قبلَ أنْ يتلفظ َ به ِ فإن وجدَهُ خيرا ً قالهُ , وإنْ وجدَهُ شرا ً أمسَكَ عنهُ , وإن وجدهُ مباحاً فالخيرُ أنْ يتركَهُ لأنَّ المباح َ قد ينجرُّ إلى الحرام ِاهـ, والنفسُ لها شهوة ٌ في الانطلاق ِ بالكلام ِ الذي يَخطُرُ لها دونَ النظرِ في العواقبِ .
وينبغي للمؤمن ِ أن يشغل َ لسانَهُ بالخيرات ِ كتعليم ِ العلم ِ ومذاكرتِهِ وذِكْرِ الله تعالى , وقد روى البخاريُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : << مثلُ المؤمن ِ الذي يذكرُ الله والمؤمن ِ الذي لا يذكرُ الله كمثل ِ الحيِّ والميت ِ >> فينبغي أن تُبقِي َ لسانَكَ رَطبا ً بذكر ِ الله تعالى فإنَّ هذا يعينُك على تقوى الله وعلى الترقى وعلى إبعادِ وساوسِ الشيطان عنكَ , قال تعالى : *( ألاَ بِذِكر ِ الله ِ تَطمَئِنُّ القُلُوبُ )* وأفضلُ هذا الذكر هو التهليلُ أي قول لا إلهَ إلا الله وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لا اله الا الله :<< أحسنُ الحسنات ِ>> أي أحسنُ كلمة ً يقولها المؤمن ُ. ومن أرادَ أن يبدأ بالسُّلوك ِ للوصول ِ الى الولاية ِ يتخذ َ وِرْداً أي ذِكْراً يقولُهُ على الدوام ِعشرةَ ءالافِ تَهليلَة ٍ في اليوم مثلا . وقد وردَ أنَ أبا هريرةَ رضيَ الله عنه ُ اتخذ خيطًا فيه ِ ألفا عُقدة ٍ يُسَبّحُ به كلَّ يوم ٍ ستَّ مرّات ٍ أي اثنتي عشرة َ ألف ِ تسبيحة ٍ ويقولُ مِنْ تواضعِهِ (( أسبحُ بقدر ِ ذنوبي )). رواهُ ابنُ سَعْد في الطبقات ِ.
الوصية ُ الثالثة : عليكم بترك ِ التنعم ِ , والتنعمُ هو الاسترسالُ في المباحات ِ كملذات ِ الطعام وفاخِر ِ الثياب ِ والاثاث ِ , فقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمُعاذ ِ بن ِ جبل ٍ رضيََ اللهُ عنهُ : << إيَّاكَ والتنعُم فإنَّ عبادَ الله ِ ليسُوا بالمتنعمينَ >> معناهُ الصالِحونَ لا يتنعمونَ . فينبغي أنْ يقتصرَ الانسانُ على ما يقومُ بهِ بدنُهُ مِنَ الطعامِ ِوالشرابِ مع حِفْظِ الصِّحة ِ دونَ الزيادةِ على ذلكَ , وتركُ التنعمِ يفيدُ الإيثارَ أي أنَّ الذي يتركُ التنعمَ تقوى نفسُهُ على أن يؤثرَ دفع المال ِ في الخيرات ِعلى صرفِهِ في الملذات ِ لنفسِهِ وأهلِهِ . وتركُ التنعم ِ ينورُ القلب َ والدليل ُ على ذلكَ قولهُ صلى الله عليه وسلم :<< ازهدْ في الدنيا يُحبُّك الله >> . وكلُّ ولِيّ ٍ لا يكونُ متنعماً وكلُّ ولِيّ ٍ يكونُ زاهدًا والدليلُ على ذلك َ قولهُ صلى الله عليه وسلم : << لا يبلغُ المرءُ حقيقة َ التقوى حتّى يدعَ ما لا بأسَ فيهِ حذرًا مِمّا فيهِ بأس>>.
وقد وردَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يشبَعْ مِنْ خُبز ِ قمح ٍ
قط , وكانَ ينامُ على الحصيرِ ويَمُرُّ عليهِ الشهران ِ لا يأكلُ
طعاما ً طُُبِخَ على النّارِ يكتفي بالتمرِ والماءِ . ووردَ أنَّ سُليمانَ عليه السَّلامَ كانَ يأكلُ خبزَ الشعير ِ اليابس ِ ويبلُّهُ باللبن ِالحامض ِ. وقال سيدنا أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ الله عنهُ :(( الزهدُ أولُ قدم ِ القاصدينَ الى الله )). وقد قالَ سيدُنا عيسى عليهِ السلامِ : (( واللهِ إنَّ لُبسَ الْمُسوح ِ(1) واستفافَ الرمادِ (2) والنومَ على المزابل ِ(3) كثيرٌ على من يموت )) معناهُ أنَّ مَنْ عَرَفَ أنهُ لا بدَّ يَموتُ ويُفارِقُ الدنيا ينبغي أنْ لا يتعلّقَ بِها . وكانَ من سيرتِهِ عليه السلامَ أنهُ يأكلُ مِنْ نباتِ الارض ِ كالهِندباءِ (4) ونحوها بدون ِ طَبْخ ٍ , وأنهُ كانَ يبيتُ حيثُ يُدرِكَهُ المساءَ ولمْ يتخذ َ بيتاً ولو اتّخذ َ بيتا ً لعبدتُه النصارى.
......................................................................................
1- مثل جلد الغنم الناعم .
2- معناه أن يأكل الشىء من غير طبخ.
3- ينام أينما كان .
4- نبات أخضر يؤكل . ..................................................